حول مفهوم العلمانية

                                                                      حول مفهوم العلمانية


ذ.عبد السلام بلحسن

يعد مصطلح العلمانية من أهم المصطلحات التي أثارت وتثير العديد من القضايا والإشكالات. ولعل أهم قضية تطرح على العلمانية ذاتها هو إشكالية تحديد أصل و معنى هذا المفهوم. هذا بالإضافة إلى الالتباس الذي يرتبط بترجمة هذا المصطلح إلى العربية . حيث نلاحظ أن هناك ترجمات مختلفة و متناقضة وذلك باختلاف المرجعيات و المنطلقات التي ينطلق منها كل باحث.
تاريخيا لا أحد يستطيع أن يقطع إلى الآن من أين جاء مصطلح العلمانية إلى قاموس الفكر العربي المعاصر.فهذا المصطلح في أصله اللاتيني وفي أصله الفرنسي وفي أصله الانجليزي لايشير في اشتقاقه من قريب أو من بعيد إلى العلمانية التي تعني وتشير لأول وهلة إلى أخد كل شيء بالعلم و المنطق و العقل. وهنا نجد فصلا بين مفهومين و هما العلمانية (بفتح العين) التي تعني في مفهومها الضيق فصل السلطة الدينية عن السياسية. وثانيا العلمانية(بكسر العين) التي تعني الوضعانية أو العلموية scientisme والتي ترتبط بشكل كبير بالنزعة الوضعية خلال القرن التاسع عشر والتي تؤكد على دور العقل والعلم في المعرفة بعيدا عن الإشكال الأخرى كالدين أو الخرافة. ومن هنا كان رأي بعض المفكرين العرب المعاصرين استبعاد شعار العلمانية sécularisme لالتباسه.و استبداله بمصطلح العقلانية وهذا رأي محمد عابد الجابري.
أما أصل ظهور هذا المصطلح فيرى كثير من الباحثين أنه مرتبط بالفكر العربي،فهو نتيجة مخاض طويل للمجتمعات الغربية في صراعها مع الكنيسة و تتويجه بالثورة الفرنسية و بالفكر الأنواري ثم الفكر الوضعي. فهذا المصطلح sécularisme جاء من الكلمة اللاتينية seaculum والتي تعني العصر أو الجيل أو القرن ولكنها أصبحت تعني في المسيحية اللاتينية العالم الدنيوي ثم استعملت كلمةsécularisme فيما بعد في كل البلدان المسيحية البروتستانتية التي كانت تشكل مقدمة تاريخية حاسمة للعلمنة.
هذا في حين أن البلدان المسيحية الكاثوليكية استعملت مصطلح laicim وهو المصطلح الذي جاء من الكلمة اللاتينية laicus ومن الكلمة اليونانية لا يوس Laos وتعني الشعب مقابل كلمة كليروس التي تعني كل رجال الدين الدين يملكون سلطة دينية ،أو سياسية ، أو مالية . 
وعندما انتقلت هذه الكلمة إلى القاموسين الفرنسي والانجليزي أصبحت كلمة laïcisme- laïcité أو sécularisme تعني العلمانية ، واستعملت من قبل الدين هاجموا الكنيسة وناصبوها العداء مقابل التزامهم بالجانب العقلي البعيد عن الخرافة في تناول قضايا الحياة، وأصبحت الكلمة فيما بعد تعني كل ماهو دنيوي. ومن ناحية الاستعمال، فقد استعمل هذا المصطلح secular لأول مرة مع توقيع صلح وستفا ليا سنة 1648م الذي أنهي أتون الحروب الدينية في أوروبا وبداية الدولة القومية الحديثة.أي الدولة العلمانية بحيث تم علمنة ممتلكات الكنيسة، بمعنى نقلها إلى سلطات غير دينية أي لسلطة الدولة المدنية. وقد اتسع المجال الدلالي للكلمة خلال النصف الثاني من القرن 19 على يد جون هوليوك (1817-1906) الذي عرف العلمانية بأنها : الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية دون التصدي لقضية الإيمان سواء بالقبول أو الرفض.
وعلى العموم يمكن القول بان مصطلح العلمانية قد دخل إلى الفكر العربي المعاصر في القرن التاسع عشر وكان من رواده في تلك الفترة شبلي شميل (1850-1917) وفرح أنطون (1874-1922) وإسماعيل مظهر ولقد تجلت إسهاماتهم في ترجمة العديد من الكتب الغربية ، خاصة ترجمة فرح أنطون لكتاب المستشرق الفرنسي ارنست رينان Renan عن فلسفة ابن رشد ، كذلك ترجمة إسماعيل مظهر لكتاب داروين المشهور أصل الأنواع وكان لهذا الانتقاء للترجمة هدفه ومقصده الواضح. وهذه الترجمات شكلت شرارة أشعلت النار بين هذا الجيل الجديد من العلمانيين ورجال المؤسسة الدينية، وقيام الجدل بين السلفيين والمحدثين. العلمانيين ورجال المؤسسة الدينية .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نموذج تلاميذي لتحليل ومناقشة قولة فلسفية

المنهج الجدلي عند هيغل

الثورة الكوبرنيكية في مجال علم الفلك والفيزياء